- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً

- تقرير يكشف: إيران تشرف على شبكة حوثية للتحايل على العقوبات الأميركية عبر شركات وهمية
- اعتراف متأخر.. سفير بريطانيا الأسبق يكشف فشل اتفاق ستوكهولم وخطورة الحوثيين على البحر الأحمر
- تصريحات حاسمة تكشف ملامح مرحلة جديدة تقودها الشرعية اليمنية بدعم دولي وإقليمي
- العليمي: المشروع الحوثي تهديد وجودي للنظام الجمهوري والهوية اليمنية
- العليمي: القضية الجنوبية جوهر أي تسوية سياسية عادلة ولن تُحل بمعالجات شكلية
- عودة موقع الرئيس العليمي بعد توقف دام لساعات بسبب خطأ تقني
- فضيحة.. توقف موقع رئيس مجلس القيادة الرئاسي بسبب عدم سداد رسوم الاستضافة
- مناشدة عاجلة لوزير الداخلية المصري بشأن مواطنين يمنيين
- تحالف قبائل محور شعيب: لا للخضوع لحكم طائفي وندعو لتحرك عاجل ضد الحوثي
- كيف أصبح الأمريكيون مدمنين للقهوة؟

كان "شيحان" ثورا قويا، يحرث الأرض بهمة ونشاط. إلا أنه عدواني مخيف، وفوق ذلك لم يكن أصيلا، فقد اشتراه جدي، قبل شهر واحد فقط، من "جلّاب" وليس من مزارع، على عكس "سعدان" المولّدٌ من أبقار العائلة ومن سلالة متوارثة ومعروفة بجودتها وقيمتها.
أوردناهما إلى الوادي وكانا يلهثان بعد نهار كامل من حراثة الحقل تحت لهيب الهاجرة. رفعا رأسيهما بعد ارتواء هنيء، وظل الماء ينساب من أشداقهما لبرهة نحو الغدير العذب الزلال، منتظما في خيوط بلورية دقيقة ومتقطعة.
إلتفت جدي إلينا، وكان قد نض ثيابه وجلس يغتسل عاريا، ثم قال: سوقاهما إلى البيت.. ماذا تنتظران هنا؟
تلكأنا في تنفيذ الأمر وانشغلنا بإقامة سد كبير من رمل الوادي الأبيض الناعم مستخدمين صنادلنا كجرافات لتصريف الغدير إلى سواقي جافة وأراض ظامئه.
وما عتم، جدي، أن قذفنا بحجر كبير، ناثرا الماء والوحل والطلاحب الخضراء بوجهينا وثوبينا المتسخان أصلا. أعقبه صياحه الغاضب المزمجر: انهضا أيها الملعونين.. ألا تسمعان كلامي يا أولاد الحمار؟
قمنا مفزوعين. تبعتُ "سعدان" وتبعَ ابن عمي "شيحان". ورحنا نتشبث بطرفي ذيليهما الطويلين، وراحا يجذبانها بضيق ويحاولان جاهدين انتزاعهما، ليطردا بهما الذباب المتطفل ويتسليان بمروحتهما في الهواء بينما يسيران بالمسرب الأفعواني الطويل، ثورٌ لصق ثور.
كانت هناك سدرة عملاقة معمرة يمتد فرع كبير منها مظللا الطريق. سبقنا الثورين وتسلقنا الفرع وحينما مرا من تحتنا قفزنا بشقاوة فوق ظهريهما.
وبينما نمتطيهما كحصانين مجهدين،
أخذ شيحان يهمس لسعدان بمكر وخبث طوية قائلا: ألا تشعر بالمهانة من جرو الإنسان هذا الذي يعتلي ظهرك؟
كان سعدان طيبا ورحيما، إلا أنه يصدق بغباء ما يقال له، خاصة عندما يكون الكلام من غريب كشيحان، يتوسم فيه الذكاء ومعرفة أمور غفل هو عنها.
رد عليه بهدوء تام: أبدا يا صديقي أبدا.. إن وزنه لخفيفٌ جدا ولا يساوي شيئا إذا ما قارنته بمحراث نفلق به الأرض منذ الصباح الباكر.
تساءل شيحان غاضبا.
- لماذا تحبهم هكذا أيها الأحمق؟
- لا لشيء إلا لأنهم أطفال وأنا أحب الأطفال كثيرا..
- هه كان عليك أن تحب أطفالك أنت، لا من يستعبدك آباؤهم.
- أووه، أنشدك الله يا عزيزي لا تنكئ لي جراحي، فمن أين لي بالأطفال وأنا ثور مخصي! من أين يا ترى؟
أطرق شيحان متأسفا ثم أردف:
يالك من مسكين.. قطعوا نسلك بالخصي وتحب أبناؤهم.. أمرك غريب حقا.
أتذكر يا أخي سعدان كيف كنت قبل إخصائك؟
- أجل أجل.. لقد كنت أتمتع بجاذبية لا نظير لها. كنّ البقرات الحِسان يتنافسن على الظفر بقلبي، إلا أنني ظللتُ وفيا لحبيبتي ريحانة ولم ألتفت قط لغيرها، فأنا لست إنسانا، لست إنسانا كما ترى، لأعشق مائة أنثى.
آه ذاك زمان ولى وانقضى كل شيء.
إنتشى شيحان وأخذ يتبختر ويشمخ بقرنيه المعقوفين وقد تأكد من براعته في التحريض وأيقن أن كلماته تغلغلت بأعماق سعدان، فواصل القول:
آه كم يقتلني الألم لأجلك يا صديقي، ولكن أؤكد لك أنهم لن يكتفوا بهذا القدر من إذلالنا فحسب، إنما سيزيدوننا إذلالا فوق إذلال.. ومثلما لم يقصروا عملنا على جر المحاريث الثقيلة، بل راحوا يسوقوننا عقب كل موسم حصاد إلى البيادر لنظل في دوران متواصل، ندوس وندوس فوق سنابل الذرة حتى تتورم أظلافنا وتنهك أجسادنا، مثلما فعلوا ذلك، سوف–إن رأونا راضين بحمل أطفالهم– يحملوننا أثقالا أكبر وأكبر وسيصنعون لنا أقتابا كتلك التي توضع فوق ظهور الجمال، وسيركبوننا دون شك.
- وما العمل يا أخي العزيز؟
- اتبعني فقط، وأفعل مثلما أفعل تماما..
وفي تلك اللحظة ركض شيحان إلى الأمام قليلا ثم أخذ يرفس الهواء ويدور حول نفسه وينطح الأرض ويحتك بالأشجار، وتخلى سعدان عن طيبته فراح يقلد صاحبه بل ويفعل أكثر منه حتى سقطنا تحت أظلافهما الحادة!! ولم يدفع عني طعنات قرونه الطويلة المدببة سوى صراخ مدو انتزعني من رعبي وأعادني سالما إلى فراشي.
وكان أبي لا يزال يرتشف الشاي بعد غداء هنيء، أما جدي فقطع تسبيحه وأشار إليّ بلهجة حادة: " كن تعوّذ من الشيطان قبل أن تنام يا ثور".
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر
