- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً

- مناشدة عاجلة لوزير الداخلية المصري بشأن مواطنين يمنيين
- تحالف قبائل محور شعيب: لا للخضوع لحكم طائفي وندعو لتحرك عاجل ضد الحوثي
- كيف أصبح الأمريكيون مدمنين للقهوة؟
- محكمة العدل الدولية ترفض الدعوى المقدمة من السودان ضد الإمارات
- واتساب يتوقف عن العمل على 3 أجهزة آيفون شهيرة بدءاً من اليوم
- قائمة سوداء لشركات صينية مهددة بالشطب من البورصات الأمريكية
- إسرائيل تعلن عن رد محتمل على الهجوم الحوثي بالقرب من مطار بن غوريون
- نتنياهو: الهجوم الجديد على غزة سيكون «مكثفاً» لنهزم «حماس»
- وصفوه بـ«بوق الفتنة».. إدانة يمنية واسعة لتصريحات شوقي القاضي حول طارق صالح
- تقرير موثق بالصورة.. ماذا حدث للمهاجرين الأفارقة في صعدة؟

ماء الفلسفة : الحيرة و السؤال في : قليل من الملائكة ..
حسن الرموتي
عبد الله المتقي قاص و شاعر مغربي ، له حضور مائز في المشهد القصصي المغربي خاصة القصة القصيرة جدا ، هذا الجنس الذي غدا له حضور واضح اليوم رغم النقاش الدائر حوله .الأدب في النهاية كائن حيّ يتنفس برئتين و يتجدد باستمرار ليواكب هذا التطور الذي يعيشه الإنسان ..و القصة القصيرة جدا وجه من وجوه هذا التطور . و المتقي واحد من أبرز كتاب القصة القصيرة جدا اليوم ، لأنه راكم تجربة مشهودا لها بالتميز و الجمال في خضم التراكم الكبير الذي يعرفه هذا الجنس
المحدث و الذي استسهله الكثير من أشباه الكتاب ...لكن بالعودة إلى تجربة القاص المتقي ، فإننا أمام تجربة عميقة تستمد خطاباتها من مناهل متنوعة ...ومن المسكوت عنه في نصوصنا مثل الجنس و الجسد و السياسة ... أو الواقع الاجتماعي من قبيل الهجرة السرية و الاستغلال و المعاناة و التهميش ، و أحيانا استلهام نصوص راكدة في المرجعية الثقافية للقاص حين يستحضر مثلا شهرزاد و همنجواي و صمويل بكيت أو شن و طبقة و فان كوخ و ديك الجن و سيزيف.. حافلا بالتركيز و الاختصار الواجب في ق ق ج هو تركيز يفتح أمام المتلقي أبوابا واسعة للتأويل و التأمل ... نصوص تبعث على الإدهاش ، نصوص مثل طلقات تصيب هدفها بدقة متوسلة بالتلميح و الترميز و الاقتصاد والمفارقة .... و تعد مجموعته القصصية – قليل من الملائكة – من أجمل المجموعات التي حاولت أن تلتزم بتقنيات هذا الجنس الإبداعي الجديد في ظل هذا الكم من المجاميع القصصية التي تدّعي انتماءها إلى ق ق ج .
قليل من الملائكة الصادرة عن دار التنوخي في ثمانين صفحة و تتضمن ثلاث و ستين قصة قصيرة جدا تشكل نموذجا جميلا لهذا الفن .حيث يتداخل الشعري بالسردي ، فتغيب الفواصل و الحواجز بين الفنين إلى حد الانصهار و التماهي ..فمنذ مجموعته الأولى الكرسي الأزرق إلى قليل من الملائكة يظل عبد الله المتقي يكتب قصصه من مرجعية شعرية ذات الحمولة الدلالية الشفافة المبنية على جمال الصورة و رهافة اللغة و الإحساس معا و المخضب بالسؤال و الجمال و العلاقات الإنسانية بين المرأة و الرجل و بروح الفلسفة .. و قد انتبه عبد الدائم السلامي في إشارته على ظهر الغلاف من أن هذه المجموعة تتأسس على دعامتين مهمتين : السؤال و الحيرة .
اعتقد أن السؤال و الحيرة من روح الفلسفة . في قصة - ماء الفلسفة –إذا كانت الأم تدرك الحقيقية العلمية لتكون المطر من خلال تبخر الماء و تحوله إلى سحب ، فإن الطفل يقف مشدوها لهذه المفارقة إن لم نقل هذا التناقض الذي يعجز عقله الصغير على أن يستوعبه ، و يضل الحوار مفتوحا على أسئلة أخرى يطرحها القارئ ، القاص هنا يلتقط مشهدا قد يبدو عادية بين الأم و الطفل ليحوله إلى رؤيا عميقة تفهمها الأم و يعجز الطفل عن إدراكها ، ليس لأن عقله صغير ، لكن ، من منطلق أن أضيق الأمر حين نفكر فيه نجده أكثر رحابة .
وقد نجح في توظيف تقنية الحوار و بلغة شعرية جميلة ، بل إن المجال البصري التي يعتمده في كتابة قصصه ، فكل جملة تحتل سطرا خاصا كما لو أننا أمام قصيدة شعرية و ليس ق ق ج ، يقول :
المطر ينقر زجاج النافذة خفيفا. ./ - الطفل : من أين يأتي ماء المطر؟ / - الأم : من السحب / - الطفل : ومن أين تأتي السحب؟ - الأم : من الماء / فغر الطفل فاه في حيرة بريئة، ولم يفهم..
في قصة الحذاء الأمريكي توظيف لقصة قيس و ليلى ، يسقط القاص قصة حب قيس لليلى في زمن مضى حيث كان القمر يلهم العشاق بنوره الجميل في الليل ، اليوم بعد صعود الإنسان و اكتشافه أنه مجرد جبال و تراب و غياب الحياة فيه لم يعد رمزا للجمال ... غضب ليلى المعاصرة له ما يبرره من منطلق معرفة حقيقة القمر ، فعندما يدنس الشيء و الذي نعتقده جميلا ، يتوارى الحب و الجمال عنه جانبا ، و يفسح المجال للقبح ليستوطن القلوب ، القصة تفتح تصورا ،هو تصور سياسي ، فنطرح سؤالا ، هل دنس الأمريكيون الصحراء العربية – خيام ليلى . ...تقول القصة : الحذاء أمريكي .ص 17
«التقى قيس بليلى العامرية في ليل حالك، / وقريبا من واحة زرقاء،/ قيس: « قمر أنت»/ غضبت ليلى، انكمشت أساريرها وصرخت: قمرك دنسه ارمسترونغ ؟ وانصرفت حزينة إلى خيمتها .
الوطن غائب ، أعطانا قفاه و انصرف في قصة - مجرد مدرس - ص 52 ..نهاية فارقة و حزينة ، إجابات التلاميذ كانت محددة و إن كانت حارقة تكشف هم دفين يحمله المواطن في ظل الاستغلال و القهر ، هو راية باهتة ، مومس ، حفنة جنرالات ..ماذا تبقى ، لا شيء سوى الغياب الشبيه بالموت بالبطيء.
علاقة المرأة بالرجل في قصة - بحيرة الشيوخ ص 20– تتأسس على العجز و الإحباط في العلاقة الإنسانية الطبيعية الممارسة فيصبح الحلم بديلا للواقع حين تعجز الأطراف على تحقيق هذه المعادلة . كلاهما يتنصلان من ثيابهما الداخلية ، كلاهما يرغبان في لذة يتوقان إليها ..لاشيء سوى أن ينام الرجل و يحلم بسمكة في الصحراء و تنام المرأة و تحلم أنها نفس السمكة تترنح خارج بحيرة ماء ..في الصحراء ..هكذا تغيب العلاقة الإنسانية المبنية على الانصهار ، انصهار الجسدان في الواقع لتحضر في الحلم ..الصحراء رمز للجفاف العاطفي ..نفس التيمة نجدها في قصة ماء الحكي ص54 لكن بطريقة عميقة و بعيدة الدلالة ... تجاعيد الأرض / دلو ماء غير مبلل / الصبار / شمس صفراء ..و رجل وامرأة ... رموز نقيض للخصب ، يعيشان الحرمان العاطفي في أقسى صورة ..
خلاصة القول إن قصص – قليل من الملائكة – بقدر ما تأتي قصيرة جدا بقدر ما تنفتح و تفتح أمامنا ليس فقط أبوابا للحلم و لكن لتأمل هذا الواقع المحفوف بالخيبة في العلاقات و بالعجز و الألم و النفاق وانهيار القيم ..لم يعد هناك سوى قليل من الملائكة ...و كثير من الأبالسة ..
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر
